والله لو عاش الفتى عمره--------------الفا من الاعوام مالك امره
متنعما فيها بكل لذيذة----------------متلذذا فيها يسكن قصره
لايعتريه الهم طول حياته------------كلا ولا ترد الهموم بصدره
ما كان ذلك كله من ان يفى----------بمبيت اول ليلة فى قبره
عن ابى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زوروا القبور فانها تذكركم الاخرة
ان القلوب تلين وتقسوا فمتى تلين ومتى تقسوا
تلين بذكر الله والعمل الصالح وتقسوا بالغفلة والمعاصى وان تذكر الموت والله يردع عن المعاصى ويلين القلب العاصى ولذا فان النبى صلى الله عليه وسلم يوصينا فى هذا الحديث ان تلين قلوبنا كما قست بزيارة القبور
فما القبور القبور هى تلك الحفرة الضيقة المظلمة الموحشة فراشها التراب وجليسها الدود وانيسها العمل :قال صلى الله عليه وسلم يتبع الميت ثلاثة : اهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع اهله وماله ويبقى عمله وقال صلى الله عليه وسلم وانه ليسمع قرع نعالهم اذا انصرفوا
وهذا عثمان رضى الله عنه : كان اذا وقف على قبر بكى حتى تبتل لحيته فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكى وتبكى اذا وقفت على قبر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ان القبر اول منازل الاخرة فان نجا منه صاحبه فما بعده ايسر منه وان لم ينج منه فما بعده اشد منه
وقال صلى الله عليه وسلم ما رايت منظرا الا والقبر افظع منه
ولو اعطى انسان ما يريد من المال على ان يبيت ليلة واحدة فى هذه الحفرة لقال ادفع مثل ما تعطونى ولا ابيت ولككنه اذا انتهى اجله بات مكرها ولا يخرج من هذه الحفرة الى ان ينفخ فى الصور ونفخ فى الصور فاذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون
وعند نزوله القبر اول ساعة يضمه القبر ضمة تختلف منها اضلاعه وتنقطع منها اوصاله ولا ينجو من هذه الضمة احد لاملك ولا وزير ولا غنى ولا فقير ولا عظيم ولا حقير ولا كبير ولا صغير ولا بار ولا فاجر ولا صالح ولا طالح كما قال صلى الله عليه وسلم وقد دفن سعد بن معاذ : لو نجا احد من ضمة القبر لنجا منها سعد بن معاذ ودفن صلى الله عليه وسلم صبيا فقال لو نجا احد من ضمة القبر لنجا هذا الصبى
ثم ياتى الميت ملكان اسودان ازرقان : يقال لاحدهما منكر ولاخر نكير سميا بذلك لان خلقهم غريب عجيب منكر لايسر الناظرين فاذا راهما احد انكر غرابة خلقهما
وتخيل ايها العاقل مدى الرعب والذعر الذى يصيب الميت وهو فى قبره وحيدا فريدا وظلمة اشد من ظلمة الليل البهيم وهو لايملك دفعا ولا هربا فتخيل هذا المسكين وقد اكتنفه هذان الملكان واحاطا به ثم انتهراه قائلين له من ربك فاذا كان مؤمنا قال : ربى الله فيقولان له ما دينك فيقول دينى الاسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذى بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك فيقول قرات كتاب الله فامنت به وصدقت فينتهرانه ويقولان له من ربك وما دينك من نبيك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى اخر فتنه تعرض على المؤمن فلذلك حين يقول الله عز وجل يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الاخرة فيقول ربى الله ودينى الاسلام ونبى محمد صلى الله عليه وسلم فينادى منادىمن السماء ان صدق عبدى فافرشو له من الجنة والبسوه من الجنة وافتحواله بابا الى الجنة قال فياتيه من روحها وطيبها ويفسح له فى قبره مد بصره واتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول ابشر بالذى يسر لك ابشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم هذا يومك الذى كنت توعد فيقول له وانت فبشرك الله بالخير من انت فوجهك الوجه يجئ بالخير فيقول انا عملك الصالح فوالله ما عملت الا كنت سريعا فى طاعة الله بطيئا فى معصية الله فجزاك الله خير ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال هذا منزلك لو عصيت الله ابدلك الله به هذا فاذا راى ما فى الجنة قال رب عجل قيام الساعة فيقال له اسكن
واما ان كان الميت كافرا او فاسقا فان الملكين ينتهرانه ويجلسانه ويقولان له من ربك فيقول هاه هاه هاه لا ادرى فيقولان ما دينك فيقول هاه هاه هاه لا ادرى فيقولان فما تقول فى هذا الرجل الذى بعث فيكم فلا يهتدى لاسمه فيقال محمد فيقول هاه هاه هاه لا ادرى سمعت الناس يقولون ذاك فيقال لا دريت ولا تلوت فينادى مناد من السماء ان كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له باب الى النار فياتيه حرها وسمومها ويضيق عليه فى قبره حتى تختلف اضلاعه وياتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول ابشر بالذى يسوؤك هذا يومك الذى كنت توعد فيقول وانت فبشرك الله بالشر من انت فوجهك الوجه يجئ بالشر فيقول انا عملك الخبيث فو الله ما عملت الا كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا الى معصية الله فجزاك الله شر ثم يقيض له اعمى اصم ابكم فى يده مرزرة لو ضرب بها جبل كان ترابا فيضربه به ضربة حتى يصير ترابا ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة اخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شئ الا الثقلين ثم يفتح له باب الى النار ويمهد من فرش النار فيقول رب لاتقم الساعة
فهل تفكرت ياابن ادم فى يوم مصرعك وانتقالك من موضعك اذا انتقلت من سعة الى ضيق وخانك الصاحب والرفيق
وهجرك الاخ والصديق واخذت من فراشك وغطائك الى غرر
وغطوك من بعد لين لحافك بتراب ومدر فبالله عليك هل ستنام او يهدا لك بال او يقر لك قرار
كيف وقد كنت فى الدنيا تؤرق وتقالق اذا غيرت مكان نومك داخل بيتك فضلا عن خارجه
فكم من قائل يقول ما نمت الليلة لاننى غيرت مكانى فمجرد تغير المنام ارقك وافزعك مع انك نائم على الاسرة المفروشة بجوار اهلك ووسط عيالك والنور موجود والانس حاصل
فقل لى بربك اذا غيرت مكان نومك من غرفة النوم المؤنسة الى حفرة القبر الموحشة كيف سيكون حالك فان كانت الدنيا قد شغلتك والامال قد الهتك فعليك بزيارة القبور وتامل حال من مضى من اخوانك وفارق من اقرانك الذين بلغوا الامال وجمعوا الاموال كيف تقطعت امالهم ولم تغن عنهم اموالهم ومحا التراب محاسن وجوهم وافترقت فى القبور اجزاؤهم وترمل بعدهم نسائهم وشمل ذل اليتيم اولادهم وقسمت اموالهم
وان ما اصابهم لا بد يوما ان يصيبك وان ما جرى عليهم لابد يوما ان يجرى عليك مثله فهل اعددت لهذا المصرع عدته
وهل تزودت له بخير الزاد وقوله الحق وتزودوا فان خير الزاد التقوى