المرأة بين الواجبات الكبرى والمشتهيات الدنيئة
الدكتور علاء الدين زعتري
المشكلات:
إنّ العالم اليوم يعيش في المستويات الماديّة والمظاهر الخلاّبة، والشعارات البرّاقة، على كافّة الأصعدة؛ الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، بعيداً عن العلاقات الروحيّة والقيم الأخلاقيّة.
ومن يتابع ما يُعرض في قنوات الفضائيّات عموماً، يُلاحظ التركيز على هذه الماديّات، إذ قليلاً ما يجد الحوارات الجادّة العلميّة، والبرامج الثقافيّة المميّزة، فالماديّات تسرق الأضواء، وأبرز هذه الماديّات: المرأة بمفاتنها وجمالها.
هناك مخطّطٌ لإفراغ المرأة العربيّة والمسلمة من محتواها، وإبعادها عن الأهداف الحقيقيّة والمهام الكبيرة التي يجب أن تتحمّلها في حياتها، حيث تحوّلت بعض الفضائيّات باسم الإعلانات التجاريّة، وباسم الرياضة النسائيّة، وباسم ملكات الجمال، إلى عهر فاضح، وجنس مبتذل رخيص، حتى صار اللحم الأبيض والورديّ يُدْرَكُ بأبخس الأثمان.
ماذا تعني حفلات انتخاب ملكات الجمال إلا خفض قيمة المرأة لتحويلها إلى سلعة رخيصة!!، ومتعة جسديّة مبتذلة، تزول بزوال الحالة، وما تلك الحفلات إلا أسواق نخاسة لبيع العبيد، لكن في صورة معاصرة، فقد كان العبد يُباع للخدمة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، فأصبحت المرأة تُشترى للاستمتاع الجنسيّ، بما يمكن تسميته بـ (عولمة الجسد، وكونيّة الجنس).
وبمتابعة الحديث عن المرأة المعاصرة يُلاحظ ما وصلت إليه المرأة، وكيف استخدموها في شبكات الدعارة العالميّة المرخّصة دوليّاً، وهي صورة من تجارة الرقيق الأبيض؛ امتداد لتجارة الرقيق الأسود التي سادت في قرون قريبة!!!.
إنّ الوسائل التي تظهر المرأة بمفاتنها وعرض جسدها، عن طريق الدعايات التجاريّة، ووصولاً إلى مؤسّسات الدعارة العالميّة، ما هي إلا أساليب لتحطيم عقل المرأة، ومسخ شخصيّتها وفكرها، ولمحو دورها في بناء الأمّة، وتحييدها عن المعركة الحياتيّة الكبرى في التكوين الفكريّ للأجيال القادمة.
المرأة الماديّة:
فالمرأة الماديّة ليست سوى سلعة للبيع وبضاعة الشراء، وقطعة للعرض وجسد لاستعراض مفاتن الجسد ومواضع الفتنة فيها، دون أن تكون حاملة قيماً أخلاقيّة ولا أفكاراً سامية ولا أهدافا كبيرة.
المرأة الغربيّة تمارس كلّ ما هو خارج على اللباقة الاجتماعيّة والأخلاقيّة في سلوكها الشخصيّ، وتأتي جميع الموبقات، ولا تنسى أيّ شيء من المحظورات، وتبحث عن المتعة بكلّ الوسائل، ولا تشعر بقطرة ندم أو ذنب، وتسبح في مستنقع العلاقات الجنسيّة خارج المؤسّسة الزوجيّة، والحياة الأسريّة، وتتباهى بخيانة زوجها مع تم الحذ1فمن قبل الاداره أو جاره أو زميلها في العمل، ولقد تجاوزت بعملها أسوار الهمس والسر إلى العلن والمجاهرة.
وإذا كان المؤرّخون في الماضي يتحدّثون عن أسواق نخاسة؛ تُعرض فيها المرأة للرغبة الجسديّة والشهوة الجنسيّة، فقد عادت هذه الأسواق إلى نشاطها الجاهليّ بتكنولوجيا حديثة، لتقدّم المرأة وتزيّنها للفتنة، وتزيد في حرف توجّهها من القيم الكبرى التي يجب أن يعيش لها الإنسان في الحياة إلى قيم وضيعة منحطّة.
فالمرأة الغربيّة تقوم بجميع الأعمال؛ حتّى سائقة للشاحنات والحافلات، ونادلة (خادمة) في أرقى المطاعم وأحطّها، وعاهرة.
كلّ ذلك باسم الحريّة والتحرّر، والتقدّم والرقيّ، والحقيقة أنّها هذه ليست حريّة بل تقييد بالماديّات والمظاهر الخادعة الكاذبة؛ في اللباس والزينة، والتفكير بالجسد دون التعمّق إلى الروح والمضمون، وباسم اتّباع الموضات والعمل بالحداثات.
دعاة تحرّر المرأة يريدون منها ألاّ تفكّر بالعلم والعطاء والفكر، ولا بالجهاد والسعي والاستشهاد، فتراهم يشغلونها بآخر صرعات المكياج وكأنّها الدميمة الوحيدة في الكون وتريد تغيير خلق الله، ويشغلونها بأنواع (المنظّفات) للشعر (الشامبو) وكأنّها خرجت من أماكن القذارة وتحتاج للمنظّف في كلّ ساعة، ويطلبون منها استعمال كريمات طراوة الجلد وكأنّها قد شقّت الأرض طولاً وعرضاً وحرثت بساتين البلدة كلّها وهي مضطرة في كلّ دقيقة لاستعمال الدهون المخنـزرة (حسب معلومات بعض المخابر فإنّ بعض المراهم الجلديّة وأنواع الزينة يُستخرج من دهون الخنازير أو شحوم الحيوانات الميّتة)، فهذه الذي يشغل تفكيرها وحيّز ذهنها.
المرأة المسلمة:
نبدأ بلفت النظر إلى نضال الأم الفلسطينيّة؛ وهي تعتني بتربية المجاهدين والمدافعين عن حريّة الأمّة وتحرير الوطن، قبل الاعتناء بجسدها وما يحتاجه من الزيوت والمكياجات، والزينات والشعر المستعار (الباروكات).
تلك الأمّ المسلمة التي قامت عبر العصور بدور التربية والتعليم، وبدور الجهاد والقيادة، وبالدور السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ.
فلقد كانت المرأة في العصور الإسلاميّة الزاهرة:
1/ المستشارة للقائد العامّ، فـ "أمّ سلمة"الزوجة المثاليّة تقدّم الحلّ الناجع لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عام الحديبية بعد أن أمر الرسول أصحابه بأمر فتباطؤوا بتنفيذه، فكانت المشورة: ابدأ بالتنفيذ أمامهم فتراهم يتبعونك.
2/ المقاتلة المشاركة في الحرس الخاصّ لقائد الأمّة: "نُسيبة بنت كعب"، في "أحد" تقاتل وتدافع عن القائد العامّ للجيش رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
3/ المقاتلة في القوّات البحريّة الإسلاميّة: الصحابيّة الجليلة" أم حرام بنت ملحان"، طلبت من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن يدعو الله لها لتنتسب إلى جيش البحريّة، ويدعو لها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وتخرج في الجيش وتجاهد في فتح قبرص، وتستشهد، وما يزال قبرها شاهداً لكلّ مسلمة وغير مسلمة على قوّة المرأة المؤمنة وحريّتها.
4/ المعلّمة لقيم الجهاد والاستشهاد وأخلاق الثبات على الحقّ: الخنساء؛ التي فقدت في معركة واحدة وفي يوم واحد أربعة من أولادها، في سبيل القضايا الكبرى للأمّة، فكانت مثالاً للأمّ الصابرة المحتسبة، وهذه خولة المجاهدة البطلة.
5/ المربيّة ومعلّمة الخلفاء والأمراء، لا معلّمة الأطفال فحسب، فهذه أمّ الدرداء الصغرى كانت تلقي دروساً في مسجد بني أميّة في دمشق، وكان يحضر درسها الخليفة الأمويّ الكبير عبد الملك بن مروان، وغيره من أمراء بني أميّة.
6/ المثقّفة البارعة، والمحاميّة المتكلّمة، والمدافعة عن حقوق المرأة: تستطيع محاورة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في قضيّة تهمّ الأسرة والأولاد بدل التشبّث بقرار الزوج الظالم بفصل العلاقة، وقد خلّد الإسلام هذه المرأة التي تناقش لتصل إلى حقّها، رمزاً لكلّ امرأة، وذلك في سورة المجادلة: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما)، والله تعالى ينتصر لها بنصّ القرآن، ويؤيّد موقف المرأة.
7/ القائمة بالأعمال المكتبيّة: حفصة بنت عمر، أمّ المؤمنين التي حافظت على النسخة الوحيدة المجموعة بين دفتين من القرآن الكريم.
8/ التاجرة الغنيّة المسيّرة للأعمال الاقتصاديّة، والعارفة باحتياجات الأمّة من الاستيراد والتصدير: خديجة الكبرى زوجة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، على أعلى مستوى من المعرفة بالتجارة الخارجيّة، والأسواق العالميّة مع الدول المتقدّمة اقتصاديّاً.
عمل المرأة :
ليست المشكلة في العمل، بل المشكلة في نوع العمل المسند إليها.
فهل سيفرض عليها أجواء وسلوكيّات خاصّة، باسم التقدّم والتحرّر، بحيث تكون الوجه الحلو الذي يجذب الزبائن (الذباب، أم الذئاب)، ثم يقال: هذا هو المتاح؟
والواجب أن نهيئ للمرأة العمل المتناسب مع شخصيّتها وتطلّعاتها وأهدافها الكبرى وقيمها العليا.
فهناك مجال التعليم، والتمريض والطبابة، والكتابة والتأليف، والعمل في المخابر والمكاتب الإداريّة، ومراكز الأبحاث العلميّة ودور التقنيّات المعاصرة، كلّ هذه وغيرها كثير من أنواع الأعمال التي تناسب المرأة.
وليس من واجبات العمل وأخلاقيّاته: أن نخلع عن المرأة ثياب الحياء والحشمة والأدب، وتدخل في كلّ المجالات، ونجعلها على طريقة القنوات الفضائيّة: عارضة وراقصة ومروّجة للسلع وجاذبة للرزق ومبعدة للنحس، إنّ هذا ليس عملاً، بل هو تحقير للمرأة.
المطلوب :
التوجيه السليم لقدرات المرأة وطاقاتها، بدل توجّه دعاة التحرّر للمرأة نحو العريّ.
أن تثبت المرأة المسلمة وجودها كعنصر فاعل في حركة المجتمع، علماً وعملاً، ثقافة وفكراً، إنتاجاً وتنمية، فهي مركز الكون وسرّ الحضارة وقانون البقاء والاستمرار، بدل أن تكون ممسوخة العقل والفكر، لا تعرف إلا اللغو والثرثرة، والموديلات والأزياء، وأساليب جذب أنظار الشباب، أو امرأة لا تعرف من الحياة إلا الاستهلاك؛ طعام وشراب ومتعة جسديّة، وعندها تصبح كما وصف الله من ابتعد عن المنهج القويم }...وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ[1] {.
المطلوب القيام بواجب المرأة الأساسيّ: الأمّ المربيّة والمعلمة والمثقِّفة، الدافعة لأبناء الأمّة نحو المجد والخلود، لا نحو الدعة والخنوع، فأبناء الأمّة يرضعون اليوم لبان الخادمات من هنا وهناك، ويُنَشَّؤون على قيم غريبة عنهم؛ من شرق فقير أو غرب مترف.
وأصبحت صياغة عقول الناشئة خليطاً من ثقافات آسيويّة وأمريكيّة مروراً بالأوروبيّة بعيداً عن الثقافة العربيّة الإسلاميّة.
وأضحى جيل اليوم يمثّل طفل أنابيب خرج من رحم مستأجر، ورضع من ثدييات غير بشريّة، وتغذّى بلحوم عالميّة، وتريَّض ببهلوانيّات حيوانيّة، ونطق بلغات عولميّة، فأضاع أخلاقه الإنسانيّة وقيمه الروحيّة.
حجاب المرأة:
إنّ ما تطلبه الشريعة من حجاب المرأة: أن يكون مانعاً من وصف حجم الجسم في الإجمال، ومنع لون البشرة في الخصوص، بعيداً عن الابتذال والتبرج اللافت للنظر، المضيِّع للقيم، بأيّ لون كان وتحت أيّ تسمية عرفيّة، حجاباً يميّز المرأة العفيفة الشريفة العاملة الفاعلة في بناء المجمع، عن تلك المرأة الرذيلة المتهتّكة، العارضة لمفاتنها الراغبة بفساد قيم المجتمع على حساب متعتها الخاصة.
خلاصة القول:
لقد أعطى الإسلام للمرأة حريّتها، وحافظ على كرامتها، ومنع الذكور من اضّطهادها بأيّ أسلوب، ويلاحظ أنّ الأسلوب المعاصر أخذ طابع الشعارات البرّاقة والإعلانات التجاريّة، وبالتالي فقدت المرأة كرامتها، والسؤال: ماذا بقي للمرأة من كرامة، وهي ملصقة مع كلّ أنواع السلع؛ التجاريّة والاستهلاكيّة، وكأنّ الطعام لا يؤكل إلا بعد تخيّل جسد المرأة قبله وبعده، وكأنّ الشراب لا يروي حتى تلمسه اليد الملطّخة بالرذيلة والفاحشة، حتى ملمّعات الأحذية ومنظَّفات الحمامات، وماذا بقي من كرامة للمرأة وهي تباع في سوق الرقيق الأبيض، للحصول منها على المتعة الجسديّة؟؟
المصدر: موقع مركز المدينة المنورة للدراسات الاستشراقيّة