وَمَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْمَتِي أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّة فَقَالَ عِنْدَهَا، وَحَلَبَ شَاةً عَجْفَاءَ عِنْدَهَا، فَكَانَتْ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم .
وَفي يَومِ الاِثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةٍ مِنْ نُبُوَّتِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِيْنَةَ ضُحَى، فَخَرَجَ الأَنْصَارُ إِلَيْهِ بِسِلاَحِهِم، وَحَيَّوهُ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّة، وَنَزَلَ بِقُبَاء، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهَا.
وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ:
((أَيُّهَا النَّاسُ ! أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَم)).
ثُمَّ ارْتَحَلَ فَأَدْرَكَتْهُ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ في وَادِي رَانُونَا، فَنَزَلَ وَصَلَّهَا هُنَاك، ثُمَّ ارْتَحَلَ مُتَّجِهاً إِلَى الْمَدِيْنَة، وَكُلَّمَا مَرَّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ رَغِبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَهُم، وَهُوَ يَقُولُ: ((دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَة)) حَتَّى جَاءَتْ نَاقَتُهُ إِلَى مَوضِعِ مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم فَبَرَكَتْ، ثُمَّ قَامَتْ وَسَارَتْ قَلِيْلاً ثُمَّ التَفَتَتْ إِلَى مَوْضِعِهَا الأَوَّلِ فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ وَبَرَكَت، فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَجَاءَ أَبُو أَيُّوبَ رضي الله عنه وَأَخَذَ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَدْخَلَهُ بَيْتَه، وَاشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَوْضِعَ مَسْجِدِه، وَبَنَاه، وَبَنَى لأَهْلِهِ حُجَراً في جَانِبِهِ الشَّرْقِيّ.
وَآخَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار رضي الله عنه ، وَعَاهَدَ يَهُود؛ وَهُمْ بَنُو النَّضِيْرُ وَبَنُو قَيْنُقَاع وَبَنُو قُرَيْظَة، وَكَتَبَ بِذَلِكَ كِتَاباً.
وَلَمَّا اسْتَقَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِيْنَة، وَتَعَاهَدَ الأَنْصَارُ عَلَى نُصْرَتِهِ مِنْ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ رَمَتْهُمُ العَرَبُ عَنْ قَوسٍ وَاحِدَة، فَأَذِنَ اللهُ لَهُمْ بِالْجِهَاد، وَأَنْزَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيْرٌ].
ثُمَّ أَنْزَلَ: [كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ].
فَكَانَتْ أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((غَزْوَة الأَبْوَاء)) في صَفَر مِنْ العَامِ الثَّانِي، وَلَمْ يَلْقَ حَرباً.
ثُمَّ بَعَثَ عَمَّهُ حَمْزَةَ رضي الله عنه في ثَلاَثِيْنَ رَاكِباً لِلِقَاءِ أَبي جَهْلٍ وَهُوَ عَلَى سِيْفِ البَحْر، فَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَجدِيُّ ابْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ، لأَنَّهُ كَانَ مُوَادِعاً لِلْفَرِيْقَين.
ثُمَّ بَعَثَ صلى الله عليه وسلم عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ رضي الله عنه في سِتِّينَ رَاكِباً إِلَى مَاءٍ بِالْحِجَازِ لِلِقَاءِ جَمْعٍ عَظِيْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْل، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إِلاَّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه رَمَى بِسَهْم، فَكَانَ أَوَّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ في سَبِيْلِ الله.
ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((غَزْوَةَ بُوَاط)) في رَبِيْعٍ الآخِر، وَرَجَعَ لَمْ يَلْقَ كَيْداً.
ثُمَّ غَزَا صلى الله عليه وسلم ((غَزْوَةَ العُشَيْرَة)) بِيَنْبُع في جُمَادى الأُوْلَى، وَرَجَعَ لَمْ يَلْقَ كَيْداً.
وَبَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ أَغَارَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِيْنَةِ فَخَرَجَ صلى الله عليه وسلم في طَلَبِهِ حَتَّى بَلَغَ نَاحِيَةَ بَدْرٍ، فَفَاتَهُ كُرْزٌ، وَسُمِّيَت تِلْكَ الغَزْوَةُ بـ((بَدْرٍ الأُوْلَى)).
ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ رضي الله عنه في نَفَرٍ إِلَى نَخْلَةَ لِيَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشاً، فَهَاجَمُوا قَافِلَةً لَهُم، وَقَتََلُوا عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَأَسَرُوا عُثْمَانَ وَالْحَكَمَ، وَفَرَّ رَابِعُهُم، وَقَدِمُوا بِالغَنِيْمَةِ إِلَى الْمَدِيْنَة، فَلاَمَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، لأَنَّهُ مَا أَرْسَلَهُمْ لِقِتَال، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ قَتَلَ وَأَسَرَ وَغَنِمَ وَخَمَّس.
وَفي شَعْبَانَ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِتَحْوِيْلِ القِبْلَةِ إِلَى مَكَّة، وَفَرِضَ الصِّيَامَ وَزَكَاةَ الفِطْر.
وَفي رَمَضَانَ بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عِيْراً لِقُرَيْشٍ مُقْبِلَةً مِنْ الشَّامِ صُحْبَةَ أَبِي سُفْيَان، فَنَدَبَ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهَا، وَخَرَجَ في ثَلاَثِ مِئَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ، فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الغِفَارِيِّ مُسْتَصْرِخاً لِقُرَيْش، فَخَرَجُوا بِخُيَلاَئِهِمْ وَفَخْرِهِمْ وَمَعَهُمْ بَعْضُ القَبَائِل، في قَرِيْبٍ مِنْ أَلْفٍ مُقَاتِل كَمَا قَالَ تَعَالَى: [بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيْلِ اللهِ] فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ في مُلاَقَاةِ الْمُشْرِكِينَ فَأَشَارُوا بِذَلِك، فَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَعَزَمَ عَلَى لِقَاءِ العَدُو، وَنَزَلَ مَاءَ بَدْر، فَعَلِمَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ فَعَدَلَ بِالْعِيْرِ إِلَى طَرِيْقِ السَّاحِلِ وَنَجَا بِهَا، وَأَصَرَّ أَبُو جَهْلٍ عَلَى القِتَال، وَالتَقَى الْجَيْشَانِ في السَّابِعِ عَشَرَ مِنْ رَمَضَان، وَأَنْزَلَ اللهُ نَصْرَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِين، فَقَتَلُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ وَغَنِمُوا، وَعَادُوا إِلَى الْمَدِيْنَة.
ثُمَّ خَرَجَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى غَزْوِ بَنِي سُلَيْمٍ بَعْدَ بَدْرٍ بَسَبْعَةِ أَيَّام، وَرَجَعَ لَمْ يَلْقَ كَيْداً.
وَفي ذِي الْحِجَّةِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلِقَاءِ أَبِي سُفْيَانَ فَهَرَب، وَسُمِّيَتْ ((غَزْوَةَ السَّوِيق)) لأَنَّ الْمُشْرِكِينَ تَخَفَفُوا مِنْ أَزْوَادِهِمْ مِنْ السَّوِيق.
وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزَوَاتٍ بَعْدَها؛ وَمِنْهَا: ((ذُو أَمَرّ)) وَ((بَحْرَان)) وَرَجَعَ لَمْ يَلْقَ كَيْداً.
ثُمَّ نَقَضَتْ يَهُودُ –كَعَادَتِهَا- العَهْد، حَيْثُ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مِسْلِمَةٌ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاع، وَجَلَسَتْ عِنْدَ صَائِغٍ يَصْنَعُ لَهَا حُلِيّاً، فَأَخَذَ اليَهُودُ يُحَاوِلُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَت، فَجَاءَ أَحَدُهُمْ مِنْ خَلْفِهَا –وَهِيَ لاَ تَشْعُرُ- فَعَقَدَ طَرَفَ ثَوبِهَا إِلَى ظَهْرِهَا، فَلَمَّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ عَورَتُهَا، فَتَضَاحَكُوا، فَصَاحَت، فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَ الصَّائِغ، فَتَكَاثَرَتْ عَلَيْهِ يَهُودُ فَقَتَلُوه، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهَمَّ بِقَتْلِهِمْ وَكَانُوا سَبْع مِئَةِ رَجُل، لَوْلاَ تَدَخُلُ رَأْسِ النِّفَاقِ؛ عَبْد ِاللهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُول، وَطَلَبُهُ العَفْوَ عَنْهُم، فَأَجْلاَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَذْرعَاتِ الشَّام.
وَفي شَوالَ مِنْ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَقَعَتْ غَزْوَةُ أُحُد، وَهِيَ غَزْوَةٌ ابْتَلَى اللهُ فِيْهَا الْمُؤْمِنِين، وَذَلِكَ أَنَّ قًرَيْشاً أَرَادَتْ الانْتِقَامَ مِمَّا وَقَعَ لَهَا في بَدْر، فَجَمَعَ أَبُو سُفْيَانَ ثَلاَثَةَ آلاَفِ مُقَاتِلٍ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمَدِيْنَةِ وَنَزَلَ أُحُداً، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ في الْخُرُوجِ إِلَيْهِم، فَأَشَارَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ، وَأَصَرُّوا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أَلْفٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِيْنَة، وَمَعَهُمْ رَأْسُ النِّفَاقِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنُ سَلُول في ثَلاَثِ مِئَةٍ مِنْ أَصْحَابِه، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ انْخَزَلَ رَأْسُ النِّفَاقِ في أَصْحَابِه، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَبْعِ مِئَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى بَلَغَ أُحُداً وَالتَقَى الْجَيْشَان، وَكَانَتْ الدَّولَةُ في أَوَّلِ النَّهَارِ لِلْمُسْلِمِين، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُون، وَظَنَّ الرُّمَاةُ أَنَّهُمْ لَنْ يَرْجِعُوا فَنَزَلُوا لِلْغَنِيْمَة، فَاغْتَنَمَ خَالِدٌ نُزُولَهُمْ وَكَرَّ رَاجِعاً عَلَى الْمُسْلِمِين، فَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْ قُتِلْ، وَجُرِحَ مَنْ جُرِح، وَجُرِحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ اليُمْنَى السُّفْلَى بِحَجَر، وَهُشِّمَتْ البَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ الْمُقَدَّس، وَرَشَقَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّه، وَسَقَطَ في حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الَّتِي حَفَرَهَا أَبُو عَامِرٍ الفَاسِق، وَنَشَبَتْ حَلَقَتَانِ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ في وَجْهِهِ الشَّرِيْفِ صلى الله عليه وسلم ، فَانْتَزَعَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ رضي الله عنه بِأَسْنَانِهِ حَتَّى كُسِرَتْ ثَنِيَّتَاه، وَأَدْرَكَهُ الْمُشْرِكُونَ فَحَالَ دُنَهُمْ عَشَرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقُتِلُوا، فَجَاءَ طَلْحَةُ رضي الله عنه حَتَّى أَجْلاَهُم، وَتَرَّسَ أَبُو دُجَانَةَ رضي الله عنه عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِهِ وَالنَّبْلُ يَقَعُ فِيْه، وَهُوَ لاَ يَتَحَرَّكُ رضي الله عنه ، فَصَرَخَ الشَّيْطَانُ اللَّعِينُ: قُتِلَ مُحَمَّد ! فَوَقَعَ ذَلِكَ في الْمُسْلِمِينَ مَوقِعاً مُؤْلِماً، فَفَرَّ كَثِيْرٌ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِه، فَتَحَامَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفْسِهِ وَقَامَ حَتَّى رَآهُ الْمُسْلِمُونَ، فَلَمَّا رَأَوهُ صَاحُوا، وَاجْتَمَعُوا مَعَهُ إِلَى الشِّعْب ، فَجَاءَ أُبَيُّ ابْنُ خَلَفٍ عَلَى جَوَادِهِ يُرِيْدُ قَتْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَرْبَةٍ في تُرْقُوَتِهِ مَاتَ عَلَى إِثْرِهَا بِسَرِف.
وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَومَئِذٍ سَبْعُون، وَمِنْ الْمُشْرِكِيْنَ اثْنَانِ وَعِشْرُون.
وَمَا أَشْرَقَتْ شَمْسُ اليَومِ التَّالِي حَتَّى نَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ لِلْخُرُوجِ في أَثَرِ الْمُشْرِكِينَ إِرْهَاباً لَهُم، وَهِيَ ((غَزْوَةُ حَمْرَاء الأَسَد)) وَقَتَلَ فِيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيْرَة.
ثُمَّ كَانَ ((بَعْثُ الرَّجِيْع)) في صَفَر، سَّنَةِ أَرْبَع، وَفِيْهِ غَدَرَ بَنُو لِحْيَانَ بِالصَّحَابَة، وَفِيْهِ كَانَ ((بَعْثُ بِئْرِ مَعُونَة))، وَفِيْهِ غَدَرَتْ عُصَيَّةُ وَرِعْلٌ وَذَكْوَانُ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ بِخِيَارِ قُرَّاءٍ أَرْسَلَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَنِي عَامِرٍ لِيُعَلِّمُوهُمْ الإِسْلاَم، وَكَانُوا سَبْعِيْنَ صَحَابِيّاً، فَقَتَلُوهُمْ غَدْراً، فَقَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْراً يَدْعُو عَلَيْهِم.
ثُمَّ أَرَادَتْ يَهُودُ بَنِي النَّضِيرِ –كَعَادَتِهِمْ- الغَدْرَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ هَمُّوا بِرَمِيِّ رَحَىً مِنْ صَخْرٍ عَلَيْهِ وَهُوَ تَحْتَ حَائِطٍ لَهُم، فَجَاءَهُ الوَحْيُ يُخْبِرُهُ بِغَدْرِهِم، فَقَامَ وَدَخَلَ حَائِطاً قَرِيْباً مِنْ الْمَدِيْنَة، وَأَخْبَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِكَيْدِهِم، وَنَدَبَ الْمُسْلِمِينَ لِقِتَالِهِم، وَذَلِكَ في رَبِيْعٍ الأَوَّل، فَحَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَال، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْمَدِيْنَةِ إِلَى خَيْبَرَ وَالشَّام، وَأَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْهُ ظُهُورُ إِبِلِهِمْ مِنْ مَتَاعٍ غَيْرَ السِّلاَح.
وَفي جَمَادَى الأُوْلَى كَانَتْ ((غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ الأُوْلَى)) بِنَجْد، خَرَجَ فِيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلِقَاءِ غَطَفَان، وَلَمْ يَقَعْ قِتَال، وَوَقَعَتْ ((ذَاتُ الرِّقَاعِ الأُخْرَى)) بَعْدَ خَيْبَر.